وتطرق إلى المنظومة التربوية من ناحية الكم والكيف. وقال إنها من حيث البرامج والمناهج والمــقرّرات والكتب المدرسية تحتاج إلى الكثير من المراجعات والتغيير والتحديث، وفيما يلي نص الحوار.
كيف تُقيّم وضع ودور وزارة التربية بعد الثورة؟
وجدت الوزارة نفسها أمام إرث ثقيل جداً يمكن أن نسميه حــقيقة الأشياء، بمعنى آخر، المنظومة التربوية تقدر بنحو 6035 مؤســسة من مدارس ابتدائية وإعدادية ومعاهد ثانوية ومؤسسات إشرافية مركزية وجهوية، تضم 200 ألف مدرس وموظف ومليوني تلميذ.
ماذا عن باطن المؤسسة؟
الباطن يتميز بمنظومة تربوية تتطلب من حيث البرامج والمناهج والمقرّرات والكتب المدرسية والتوزيع البيداغوجي ومنظومة التقييم والامتحانات ومستويات الأساس، الكثير من المراجعات والتغيير والتطوير، فبعضها وضع منذ 30 عاماً، والآخر منذ عشرة أعوام في إطار ما سمّي آنذاك بمدرسة الغد، وأغلبها لم يعد يستجيب للمقاييس العالمية المتعارف عليها، وهو عتيق ويستدعي مراجعة شاملة ودقيقة وجوهرية لخلق منظومة ذات قيمة ومتجانسة توفّر للمجتمع الإنسان القادر على أداء وظيفة معقولة، بمعنى أن المنظومة التربوية لا تجعل من الخريج منغلقاً على ذاته، ولا عاجزاً عن استيعاب المعارف العلمية التي تكتسي طابعاً إنسانياً شاملاً.
هل ادرجت الوزارة قيم وأهداف الثورة كالديمقراطية وحقوق الإنسان في مناهج التعليم؟
الإشكال الرئيس هو أن هذه القيم الإنسانية مــثل الــديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان والانفتاح على القيم الكونية كانت موجودة ولا تزال، وعلى المستوى النظري نجد أفضل نصوصها في الكتاب المدرسي، وقبل الثورة كان التلميذ يعيش تناقضاً بين المقولات النظرية وطبيعة الواقع السياسي، الذي كان آنذاك تحت هيمنة الحزب الواحد وعــدم التداول على السلطة.
وبعد الثورة؟
بعد سقوط النظام ساد الشارع التونسي نوع من الديمقراطية الدسمة التي سمحت بتشكيل أحزاب سياسية حتى أصبحت لدينا تخمة حزبية، ووقع تغيير أربع حكومات في أقل من عامين، ما جعل تلك المقولات الكبرى تعيش حالة من الغربة في زمن الاستبداد بسبب طوباويتها وتعيش غربة بعد الثورة بسبب ميوعتها، لكثرة الأحزاب ولتحوّل الديمقراطية الوليدة إلى ما يشبه بقع الزيت المنتشرة في مكان، أو لنقل أغورا اللاتينية التي نجدها في كل مكان دون أن يكون لها انعكاس حقيقي على حياة الناس.
ثم ماذا؟
لأسباب تتعلّق بهشاشة الوضع السياسي وسرعة تغيير الحكومات، فإن المقررات التربوية لم تراجع، ومن الصعب أن يغامر وزير بالدخول في عملية إصلاح شاملة تتطلب أعواماً عدة، في حيز زمني محدود.
والأمر لم يقع تقديره جيداً، مثل تجربتي مع الوزارة فاغتيال الشهيد محمد البراهمي يوم 25 يوليو الماضي، قلّص المدّة المتّفق عليها من ثمانية أشهر إلى خمسة فقط، حيث انتهت الحكومة أو سقطت بالنسبة لي يوم ذلك الاغتيال الشنيع ودخول البلاد في أزمة سياسية حادة بسبب الاغتيال، ما جعل دور الحكومة الحقيقي عملية معقدة جداً؟
*قدمت استقالتك أواخر يوليو ولا تزال وزير التربية، هل تراجعت عن الاستقالة؟
- بعد اغتيال البراهمي، ونظراً لروابط الإخوة والانتماء الفكري والسياسي الذي جمعنا، قدمت استقالتي في 29 يوليو، وظللت أمارس مهامي لتصريف الأعمال، فالفترة صادفت الإعداد للعام الدراسي الجديد وما يتطلبه من تجهيزات شاملة، وهي عملية شاقة وصعبة، وبعد أن أمّنت العودة إلى الدراسة طلبت أكثر من مرّة من رئاسة الحكومة تعيين وزير جديد.
ونظراً للوضع السياسي فخروجي من الوزارة بات معلّقاً باعتبار أن بقاء الحكومة من عدمه، أصبح موضوع حوار وطني سيفضي قريباً إلى تشكيل حكومة جديدة، وقد ارتأيت مواصلة تأمين المرفق العمومي دون أي نشاط رسمي كحضور اجتماعات مجلس الوزراء أو غير ذلك، والوزارة تؤمّن مصالح الكثيرين وهي تأبى الفراغ.
تسييس «التربية»
هناك من يتحدث عن تسييس المؤسسة التربوية في ظل الانفلات بالبلاد، كيف تجاوزت القضية؟
الوزارة ومؤسساتها تأثّرت بالوضع السياسي، فإطار التدريس في غالبيته مسيّس، ويشتغل جزء منه في أحزاب سياسية وآخر في العمل النقابي، ما يُلقي بظلاله على العملية التربوية وتعليم مليوني تلميذ من أبناء جميع التيارات السياسية والفكرية والشرائح الاجتماعية دون استثناء، علماً أن التعليم الخاص لا يتجاوز مرتادوه 35 ألف تلميذ.
لذا دعونا المدرسين للنأي بالمؤسسة التربوية عن التجاذبات السياسية والعقائدية والحزبية والإيديولوجية، ومن يخالف ذلك يتحمّل مسؤولية تعرّضه لإجراءات تأديبية.
ظاهرة الانقطاع المُبكر عن الدراسة كيف تنظر إليها؟
الظاهرة متفشية منذ أعوام طويلة وهي تعود إلى عام 1980، وتجاوزت في 1991نحو150 ألف حالة، وهي أعلى نسبة، ولم يهبط العدد في ما بعد تحت 90 ألف حالة، وللظاهرة إشكاليات هيكلية عدة في المنظومة التربوية منها ما هو بيداغوجي وتعليمي صرف مثل قضية تدريس العلوم واللغات المعتمدة.
حيث إن التلاميذ الذين يدرسون مادة العلوم باللغة العربية حتى التاسع إعدادي، يجدون بعد ذلك صعوبة في دراستها بالفرنسية بداية من التعليم الثانوي، ومنهم من ينقطع إرادياً ومنهم من يفشل ويتم فصله من التعليم.
والظاهرة الثانية مرتبطة بالعجز عن الاندماج أثناء التحوّل من التعليم الابتدائي إلى الإعدادي ومنه إلى الثانوي، ففي السنوات السابعة أساسي وأولى ثانوي يحدث الانقطاع، والفقر والتهميش بالمناطق الريفية والأحياء الشعبية تدفع بأولياء الأمور إلى إرسال أبنائهم للعمل مبكراً.
وهناك ظواهر العنف والإدمان والكحوليات وحبوب الهلوسة في سنّ مبكرة دون أن تضع المدرسة خطة وطنية واضحة لمقاومتها عن طريق إيجاد مهنة الطبيب النفسي والاختصاصي الاجتماعي التي أعددت فيها مشروعاً متكاملاً وأرسلته إلى الحكومة لكنه لم ير النور حتى الآن.